مقالاتي

رسالة إلى معلمتي

طال الأمد يا معلمتي فمنذ أن تخرجت من تلك الروضة وأنا أبعث برسائلي إليك فالرسالة الأولى أوصلتها لكي أمي وباقي الرسائل في طي الكتمان، وما الكتمان بكتمان حينما يكون بوحاً لمعلمتي الغالية.

اكتبها لكي بين الفينة والأخرى حينما تجتاحني مشاعر الإنكسار فلا حزن يدوم ولا فرح يطول تلك هي الحياة تتمازج بين مشاعرنا على ناصية التقلبات.

أتذكرين تلك الأيام البريئة حينما اغترفنا من الأمل اشراقة اكتحلت بضياء وجهك لتهبنا الحياة، لا زلت أتذكر تفاصيل البراءة التي لم أستطيع أن أخرج من عبائتها يا معلمة. 

اتذكرك حينما أتحدث بعفويتي وأقول كلاماً غير لائق قوله توبخيني وأنتي تضحكين كالأمهات وكأن لسان حالك يقول كيف فكر بهذه الطريقة. 

واتذكر صديقاتي التي كنت اتشاقى معهم ويأتون ليشكون لك حالهم وحسام الذي كنت اتضارب معه، كانت أقصى أمنياتنا أن يدق جرس الفسحة لنأكل الحلوى، ومن ثم تسيح الشوكولاته على قميصي، وهناك بعض آثارها يغوص في تراتيبية عفوية المشهد، كنت احتضن الحلوى كما احتضن ضحكاتي مع أصدقائي الرائعين.

فلا مقاعد محجوزة، ولا مسافات متلاصقة بين الأمل والإنكسار، ولا يوجد ابتسامات صفراء أو اجتماعات لنحل خلافاتنا المهنية ونكرر كلماتنا البالية دون أن نتخذ القرار. 

كان القرار في الروضة منكِ وإليكِ، أتعلمين أنني حينما أصلي اتذكرك، وحينما أعتمر، وفي كل طاعة وطاعة لا يفارقني طيفك، فالملائكة لا تأتي إلا في أماكن العبادة. 

حنانك فياض لازلت استشعره في كل لحظة وكأنك تعتنين بي كما كنت صغيراً، معلمة فاضلة وهبت نفسها لي لكي تخفف عني مصاعب الحياة.

فكتبت كلماتي من يداكي التي كتبت على الطبشور وكأن يداي لا تنفك عنك يا معلمتي. 

معلمة ابتسام رسائلي السابقة كنت أكتبها على الورق وبقلم الرصاص فلم أعرفه إلا منكِ، وحينما بدأت أكتب على الابتوب أنشات بريداً بإسمك حتى تصلك رسائلي بطريقة أسرع و شرحت لكِ طريقة إستخدام الإيميل في آخر رسالة كتبتها ورقياً لكي. 

معلمتي اشتقت إليكٍ، حقاً تلك البراءة أصبحت لعنة بالنسبة لي، لم أكن أعلم أن أفكر ملايين المرات قبل أن أتحدث لم أكن أعلم بأن الحياة أقسى من أن نكون أنفسنا. 

لماذا لم تخبريني عندما سلمتيني شهادتي بأن عهد الطفولة انقضى والحياة هناك مختلفة تماماً. 

أتذكرك وأنت تقولين الحرص واجب، ولكن لم اكن افهمها فقط اعرف الحدث ولأن وقع الجملة جديد لدي فلم أستوعبه إلا في المرحلة الإبتدائية.

وكأن الروضة تختتم فعالياتها بالحرص قبل تلقي الصدمات، لربما يا معلمتي صمتك عن الرد على رسائلي يجعلك توافقيني الرأي، أو أن صمتك يؤكد انتهاء المرحلة، وهناك عالم سريع لن تستطيع براءة الأطفال أن تحتويه بين أحضانك الدافئة.

أيقنت بأن الشكوى لغير معلمتي مذلة، فأقسمت أن لا اشكو همي إلا إلى الله وثم معلمتي الحنونة، يا أمي الثاني ويا صديقتي الغالية ويا أختي الكبرى ويا طهر الملائكة.

لكل مرحلة خصوصيتها وتحدياتها أن نتغلب على أنفسنا أو نقبل الإنهزام، ولا أحب الخسارة مطلقاً، ولكن أوصف مشاعري بين نظراتك التي تنضح بالحب لنا، لا زلت أتذكرها جيداً فلم أرى مثلها بتاتاً البتة حتى الآن.

رسائلي إليك يستوعبها قلبك الحنون على طفله، وإن كبرت واشتد ساعدي فأنا لا أكبر على من علمتني الألف والباء، وقدمت لي الحلوى، ازداد يقني أن لا احداً يهتم حتى أصبح قاعدة راسخة لدي.

فأنا اتداوى من الوحدة إلى معلمتي الفاضلة التي منحتني القبول على تلك العفوية التي تهذبها بإرشادها إن أخطأت، دون أحكام مسبقة أو حصون منيعة، حتى أصبحت كاليتيم عند ضريح المقبرة يكتنف عنبر الموت كل لحظة ولحظة في هذه الدنيا.

تلك الرسائل التي كتبتها إليك بعد أول رسالة وصلتك بيد نبع الحنان، حينما علمت أن لا رجعة للروضة وكأنني أتمرن على الحرمان وهي السبب في بقائي قوياً رغم الألم فهل هناك من لا يثق في معلمته!!

إن الحياة ثقيلة على الضعفاء ولا أحب أن أكون ضعيفاً، تذكرتك في إحدى رحلاتي إلى جزيرة موريشوس، حينما كنت في إحدى الجزر الخاصة هناك، وجاء المطر ليغسل أحزاننا.

فإذا بإمرأة استرالية مع زوجها تأتي إلى مظلتنا لكي يحتموا من المطر وكانت تضحك بطريقة ساحرة فهي منتشية من الفرح، وهي تصف لنا أنها تريد أن تتوارى من المطر تحت مظلتنا.

وبعد حوارات رائعة مع الثنائي المرح، سألت زوجتي هل هي بالفعل مسرورة لهذه الدرجة أم أن وراء تلك الضحكة الأحزان؟

 فقالت لي أكيد إنها مسرورة، ولكن لم أجدها كذلك من وجهة نظري لربما لأني أواري بين ضحكاتي العالية آلاف البراكين الثائرة، عموماً هو موقف عابر أردت ذكره حتى لا تملي من رسالتي.

إما التطورات الجديدة لقد وجدت بيئة رائعة استمتعت بالإنضمام إلى نواديهم فهم ايجابيون دافئون، رائعون يختلفون عن باقي الأصدقاء بأنهم حينما يتحدثون يعتلون المسارح، إنها اندية الخطابة يا معلمة بيئة ايجابية تبعث الأمل إلى قلبي، بأن هناك متسع من الحياة.

ولا أخفيكِ بأنني بعد رحلة موريشوس لم أذهب إلى أي شاطئ، فأكتشفت أن لدينا شاطيء اسمه بياضة، وكأنه يبيض حياتي مجدداً، وأول مرة أذهب هناك كانت الفترة كلها سباحة، وكأنني اغتسل من كل طاقة سلبية هناك.

السباحة في البحر راحة، وصوت الموج سكينة، وتشكلات الأصداف والمرجان وتنوع الأسماك دائماً يأسرني.

 ما أجمل أن نغير لون بشرتنا بالتشميس، حرارة الشمس على جسدي الغارق في كريم مضاد الشمس متعة أخرى.

أندية الخطابة، والسباحة في البحر، والكتابة إليكي بإستمرار، هو يجعلني استمد قوتي، أعلم أنك لن تقرأين رسالتي كعادتك، ولكن يجب أغلق هذه التدوينة بالنقطة لأكتب المقال، إلى اللقاء يا معلمتي دمتي بخير.

كاتب محتوى

مدّوِن وكاتب محتوى، هوايتي جمع الأحرف المتناثرة وصنع المعنى.
زر الذهاب إلى الأعلى