مقالاتي

أوتار الكمان تحرق محطة القطارات

يعزف بإيقاع مترامي الأنغام بين تشكلات، وتنوعات، وهمسات الألحان، من البدايات وحتى آخر نوتة موسيقية يقف الوتر عند امتزاج الريشة وابتلاع انقباضات تسلسلية التوقعات، تدار عبر أصابع عازف امتهن تقديم اللحن بطريقة آسرة في أشهر الأوركسترات، يتلاعب في الكمان ويموضعه حيثما يريد دون أي تكلف أو تزيف.

اخذ كمانه وآلة التصوير ليصور تقاطع عجلة الحياة مع نغمه، يا ترى من سيكترث من مقطوعة موسيقية تقبع في متاهات محطة التوقفات والتكاملات؟

إن تلك التجربة الاجتماعية التي قام بها أحد أشهر عازفي الكمان جوشوا بيل في محطة القطارات بائت بالفشل الذريع فقد تم عزف أشهر الأعمال الرائعة والألحان البديعة، بين كل نوتة وأخرى جدار من الصمت لا أحد يتوقف عند تقاطع ألحان الكمان أو حتى يلقي لها بال، فالكل مشغول في رحلته لأن الجميع لديهم معاركهم الخاصة.

مسافر يقف في تلك المحطة ليغير القطار إلى محطة أخرى، وفتاة استوقفتها تلك المحطة لتذهب إلى أهلها بعد أسبوع حافل من العمل في مدينة نائية، وذلك الشاب يودع آخر أيامه في تشظيات احتراقات مهنية لم تجعله يرى من محطة القطارات إلا ملامح مضادات الاكتئاب دون أن يمتلك قرار المشاركة فضلاً عن الحضور.

وستيني لا يملك إلا التشبث بآرائه ومصادرة حق الآخرين في تقرير مصيرهم، وخمسيني تنفيذي لا يعرف إلا إنجاز المهام بكل حنكة ومسؤولية، وبين أولئك الأطفال وتلك الأمهات تمتزج تلك اللوحة في تسارعات الحياة.

دون وجود الوقت الملائم لسماع أشهر ايقاعات الكمان، فضلاً عن التوقف بين أروقتها، إنها رحلة الواقع دوائر الايقاعات في خضم بوصلة الحياة جغرافيتها تسارعات، وتجاذبات، وتنافرات، وتناقضات، تأتي الصورة لتعكس واقع الحياة فهل هناك وقت لسماع تلك المقطوعة واقتطاع وقت يسير لموائمة النغم مع الإيقاع؟

لا أعتقد فالكل منهمك مع ايقاعات الحياة، يقبع عازف الكمان بتلك الألحان يعزفها في مخيلته يعبث بين تفرعاتها، وملتقياتها، ومنطلقاتها، لن يعبأ به أحد أو يكترث فالحياة أسرع من وقع تلك الألحان.

لا تتوقع أن تقام مباراة كرة قدم في مترو الأنفاق، ناهيك عن أن يلقى لألحانك حفاوة الإستماع، في مقاطعة المترو بين توقف المحطات وتداخل البدايات مع النهايات، تلك هي حقائب الانتظار لا يحملها إلا البؤساء، التعساء.

فالإيقاع ايقاعك، واللحن لحنك، ومن يكترث نحو تراتبية النوتة!!
إلا فنان مازج بين تلك الإيقاعات وأخرج موجة عبثية بين الرغبة والتنفيذ، لا يفصلهما إلا ايقاع الكمان، بين البدايات والنهايات معارك خاصة في وقت بات لكل شيء خصوصية التقلبات والإلتقاءات.

لا أحد يعبأ في البدايات ولا النهايات في محطة المترو حينما يحترق عازف الكمان في محطة القطارات.

كاتب محتوى

مدّوِن وكاتب محتوى، هوايتي جمع الأحرف المتناثرة وصنع المعنى.
زر الذهاب إلى الأعلى