الشخصنة تعظيم وتقزيم
الشخصنة هي مغالطة منطقية تقوم على التعصب للآراء الشخصية وإقصاء الطرف الآخر دون النظر إلى فكرته أو موضوع الحوار الذي تطرق له.
على ماذا ترتكز الشخصنة؟
ترتكز على محورين أساسيين أولها التعظيم وهي إعطاء الشخصية التي تتفق مع آرائها وأطروحاتها الموافقة المطلقة بل وإيجاد المبررات لها.
وثانياً التقزيم والتصغير وهو الحكم على الآخر بناءً على عرقه، وشخصيته، ولونه، وطريقة كلامه، وغيرها من الأمور التي لا تتعلق بالفكرة المطروحة للنقاش، فيصبح محور الحديث قائم على المثل الصيني القائل (( العقول الصغيرة تتحدث عن الأشخاص، والعقول الكبيرة تتحدث عن الأفكار)).
فلا يوجد ثقافة للحوار منذ ولادته فمن البداية يستبعد المشخصن الطرف الآخر، ويزدريه، ويظهر عيوبه التي لا تمت إلى الموضوع بصلة، لكي ينال منه وهو نوع من الجدال القائم على الشخصية فقط.
ويكون أيضاً مخرج للمشخصن من النقاش الموضوعي عن الفكرة عندما لا يمتلك الحجة التي يدعم بها موقفه، ومن ثم يصبح الحوار عقيما لا جدوى ولا طائل منه سوى الجدال لغرض الجدال دون البحث عن الفكرة ومضمونها عوضاً عن مقارعة الحجة بالحجة.
التعصب الفكري ما هو إلا مرادف عن الشخصنة لذلك يجب أن يكون الحوار قائم على أساس ((رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)).
انطلاق الأفكار والنقاشات يكون حول المادة المطروحة بانسيابية واريحية مع الاحتفاظ بحق النقد في إطاره الموضوعي دون تقزيم أو إقصاء.
استوقفني مقطع انتشر في السوشيل ميديا لشخص يتناول قضايا مجتمعية بإسلوب ساخر وتطرق للمثقفين، ومن ثم وصفهم بأوصاف معينة، مثل أنهم دائماً ما يرددون الاقتباسات وهي محور حديثهم، بالإضافة إلى اهتمامهم باللوحات الفنية الغير مفهومة المعاني فقط للتباهي.
وانتشر مقطعه بين الناس وفي إحدى القنوات تم استضافة أديب من الأدباء المرموقين في المجتمع وعرض عليه المذيع المقطع المتداول لكي يسمع تعليقه، إلا أن تعليقه كان فيه شخصنة بطريقة مبالغة، ولم ينتقد الفكرة أو يرد عليها بأسلوب صحيح يتعلق بمضمون الفكرة، وإنما كان تعليقه بأن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة لأمثال أولئك الأشخاص بالظهور.
بينما كان يستطيع أن يوضح بأن للاقتباسات معاني قيمة، وتجارب طويلة تختصر بكلمات بسيطة، وأن اللوحات الفنية فن وله متذوقيه، وعشاقه، وهم من يفهمون معاني تلك الرسومات وليس كل المثقفين يحبون اللوحات الفنية بل هو فن بصري قد يعجب البعض وقد لا يعجب البعض الآخر.
في بعض الأحيان يصاب الشخص بالغرور خاصة إذا وصل لمكانة اجتماعية أو تعليمية معينة فيمارس الإسقاط فوراً على الشخص نفسه.
ومن الأسباب أيضا الغيرة والحسد كذلك والذي يجعل الشخص لا يتقبل أي فكرة من الطرف الآخر لأنه أفضل منه كما يشعر، فهو مباشرة ينتقده على أي شيء يصدر منه ولا يقبل به نهائياً.
فتعويض النقص يكون بالإقصاء، لذلك الثقة بالنفس هي عامل قوي ضد قضية الشخصنة.
وفي نهاية مقالتي أود أن أوضح أن الشخصنة وقفت كثير ضد عدد من الأشخاص الموهوبين والطامحين لعوامل تتعلق بالأحكام المعلبة ضدهم دون النظر إلى أفكارهم وفحواها.