لعنة المعرفة The Curse of Knowledge
لعنة المعرفة هي لعنة تطارد كل شخص خبير متمرس ويمتلك خبرة واسعة عن تخصص معين، مما يجعله يفترض بأن المتلقي يفهم ويستوعب رسالته بالشكل الذي يريد إيصاله، وهو نوع من التحيز المعرفي الذي يقوم على افتراض امتلاك الخبرات التي مرت عليه ويعتقد أن الجميع يملك تلك الخبرة أو المهارة أو القصة التي عايشها مما يوقعه في صعوبة شرح وجهة نظره على المتلقي، الذي لا يستطيع أن يفهم تلك الرسائل المنقولة إليه بالطريقة التي ينقلها له مما يسبب الإحباط لدى الشخص الخبير والمتمرس ذلك ما يطلق عليه لعنة المعرفة.
على سبيل المثال هناك لاعبين في كرة القدم يمتلكون مهارات وقدرات عالية في مجالهم وحينما يعتزلون اللعب لا يستطيعون التدريب، وذلك لأن نقل المهارة والتدريب يختلف عن الشرح والتوضيح، ونجد البعض منهم يستطيع ذلك فتبسيط المهارة هو النجاح في التصدي على لعنة المعرفة.
وكذلك في البيئة الدراسية هناك معلمون يواجهون صعوبات في تدريس المبتدئين لأنهم لا يستطيعون وضع أنفسهم مكان الطالب، فالأمور التي نمارسها بشكل يومي ومتكرر نجدها في غاية البساطة كالهاتف الجوال مثلاً، إذا أردنا تعليمه لشخص كبير في السن سوف نستغرب بأنه لا يعرف البديهيات وكيف تكون العملية متعبة في شرح طريقة التعامل مع الهاتف.
تمت صياغة مصطلح لعنة المعرفة في مجلة الاقتصاد السياسي عام 1989م من قبل الاقتصاديين كولين كاميرر، وجورج لوبنشتاين، ومارتن ويبر، في وصف التحيز المعرفي الذي يجعل الناس يعرضون تجاربهم على الأخرين.
ومن التجارب المثيرة للاهتمام تلك التجربة التي قامت بها إليزابيث نيوتن في عام 1990م قسمت فيها المشاركين إلى مجموعتين، الأولى تسمى المجموعة الناقرة وهي المجموعة التي يجب عليها النقر فوق سطح الطاولة لمجموعة من الأغاني يبلغ عددها 120 أغنية والمجموعة الأخرى عليهم أن يتعرفوا على هذه الأغاني بعد النقر عليها.
وعند سؤالهم عن اعتقادهم كم عدد الأغاني التي يمكن التعرف عليها من قبل المجموعة الثانية، كانت المجموعة الأولى تقدر عدد الأغاني التي سيتم التعرف عليها نحو ما نسبته 50% من عددالأغاني التي سيتم نقر ايقاعاتها، ولكن المفاجأة كانت بأن المجموعة الثانية لم تتعرف إلا على ما نسبته نحو 2.5% من الأغاني وهنا يمكن تفسير لعنة المعرفة بأنها انحياز نحو معرفة بأن الطرف الآخر سوف يتمكن من فهمك حسب ما تعرفه.
وقد تلاحظ عزيزي القارئ بأن الشخص الخبير يواجه صعوبة في نقل مهاراته وإيصال رسالته بكل وضوح فهو يفترض بأن أبسط البديهيات بالنسبة إليه لا تحتاج إلى شرح مقارنة بشخص متوسط في المهارة، وذلك لأنه اكتسب شيئاً قليلاً من المعرفة يستطيع شرحه على المتلقي بصفة عامة دون التعمق في التفاصيل الذي لا يعلمها.
وقد يتعلق الانحياز المعرفي بفرضيتين:
- الأولى تأثير دانينغ كروجر: وهي أن الشخص كلما ازدادت معرفته قلت ثقته حتى حينما يصل إلى مستوى خبير تزداد ثقته قليلاً، وقد يكون هذا بسبب اعتقاده بأن الجميع يعرف ما يعرفه فتقل ثقته في نفسه مما يجعله يظن بأن المعلومات التي لديه مسلمات وبديهيات لا يرغب في التحدث عنها، مما يجعله يتجاهل هذه الأشياء حينما يريد نقل رسالته وهنا تكمن الفجوة بينه وبين الشخص الآخر.
- الثانية تأثير الإجماع الزائف: وهو الاعتقاد بأن الشخص الآخر والناس لديهم نفس الآراء والتوجهات، حتى وإن كانت مخالفة لرأيك، سوف تتغير فيما بعد بناء على التجارب والخبرات التي مرت عليك ولكنهم لم يخوضوا في تلك التجارب التي مررت بها، ولم يقروا ما قرأت من كتب ومعلومات، فيصيبك الاستغراب والدهشة أن يكون لديهم رأي آخر غير تجربتك التي اطلقت عليها معيار التعميم الذي فرضته على الآخرين بناء على خبرتك السابقة.
ومن الأمثلة أيضاً أنه إذا كنت في أجتماع مع زملائك الموظفين سوف تجد كلاماً تريد قوله ولكنك لا تقوله بسبب أنك تراه بديهياً، ومن ثم تجد أن شخصاً آخر أخذ تلك المبادرة وتحدث بتلك الفكرة التي رأيتها بديهية وحازت على إعجاب الجميع وعلى التأييد ولكنك رأيتها فكرة سطحية منعتها من الظهور بسبب أن معرفتك تعدت تلك المرحلة التي لا تستطيع فيها العودة للوراء والرجوع للبديهيات التي قد لا تكون لغيرك من الأمور الواضحة أو المعروفة.
وهناك مقولة جميلة لكافكا ((إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من الإسراف في المخدرات، فمن دون شك هو الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء))
يكمن الحل في مواجهة لعنة المعرفة هو العودة للوراء قليلاً، ومحاولة تبسيط المعلومة للأشخاص وعدم الوقوع في فخ الافتراضات والإنحيازات المعرفية المسبقة، قد يكون صعباً في البداية ولكن الشرح بأبسط الطرق وإيصال المعلومة بطريقة تسمح للمتلقي بأن يستوعب رسالتك هو مهارة يجب تعلمها وإتقانها .
وبالإضافة إلى إعطاء الأمثلة التي توضح أفكارك مع توضيح جميع المصطلحات والمفردات التي تتحدث بها، مع تجنب الافتراضات والأحكام المسبقة والتأكد أيضاً من أن الشخص الآخر يفهمك بوضوح عن طريق سؤاله إذا كان يفهم ما تقوله في أثناء محادثتك له بين الفترة والأخرى حتى تتأكد بأن معلوماتك واضحة للمتلقي.
وكما يقال ((خاطبوا الناس على قدر عقولهم)) يجب عليك وضع نفسك أمام المتلقي دائماً والإدراك بأن الناس يمتلكون تجاربهم الخاصة، وفروقاتهم ،ومستوياتهم المتباينة في المعرفة والاطلاع.